الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ولم يحك في القرآن أن هارون تكلم بدعوة فرعون على أن موسى سأل الله تعالى أن يحلل عقدة من لسانه كما في سورة طه، ولا شك أن الله استجاب له.والشد: الربط، وشأن العامل بعضو إذا أراد أن يعمل به عملًا متعبًا للعضو أن يربط عليه لئلا يتفكك أو يعتريه كسر، وفي ضد ذلك قال تعالى: {ولما سقط في أيديهم} [الأعراف: 149] وقولهم: فُتَّ في عضده، وجعل الأخ هنا بمنزلة الرباط الذي يشد به.والمراد: أنه يؤيده بفصاحته، فتعليقه بالشد ملحق بباب المجاز العقلي.وهذا كله تمثيل لحال إيضاح حجته بحال تقوية من يريد عملًا عظيمًا أن يشد على يده وهو التأييد الذي شاع في معنى الإعانة والإمداد، وإلا فالتأييد أيضًا مشتق من اليد.فأصل معنى أيد جعل يدًا، فهو استعارة لإيجاد الإعانة.والسلطان هنا مصدر بمعنى التسلط على القلوب والنفوس، أي مهابة في قلوب الأعداء ورعبًا منكما كما ألقى على موسى محبة حين التقطه آل فرعون.وتقدم معنى السلطان حقيقة في قوله تعالى: {فقد جعلنا لوليه سلطانًا} في سورة الإسراء.(33) وفرع على جعل السلطان {فلا يصلون إليكما} أي لا يؤذونكما بسوء وهو القتل ونحوه.فالوصول مستعمل مجازًا في الإصابة.والمراد: الإصابة بسوء، بقرينة المقام.وقوله: {بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون} يجوز أن يكون {بآياتنا} متعلقًا بمحذوف دل عليه قوله: {إلى فرعون وملائه} [القصص: 32] تقديره: اذهبا بآياتنا على نحو ما قدّر في قوله تعالى: {في تسع آيات إلى فرعون} [النمل: 12] وقوله في سورة النمل بعد قوله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات} [النمل: 12] أي اذهبا في تسع آيات.وقد صرح بذلك في قوله في سورة الشعراء (15) {قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون}.ويجوز أن يتعلق ب {نجعل لكما سلطانًا} أي سلطانًا عليهم بآياتنا حتى تكون رهبتهم منكما آية من آياتنا، ويجوز أن يتعلق ب {لا يصلون إليكما} أي يصرفون عن أذاكم بآيات منا كقول النبي صلى الله عليه وسلم «نُصِرتُ بالرعب» ويجوز أن يكون متعلقًا بقوله: {الغالبون} أي تغلبونهم وتقهرونهم بآياتنا التي نؤيدكما بها.وتقديم المجرور على متعلقه في هذا الوجه للاهتمام بعظمة الآيات التي سيعطيانها.ويجوز أن تكون الباء حرف قسم تأكيدًا لهما بأنهما الغالبون وتثبيتًا لقلوبهما.وعلى الوجوه كلها فالآيات تشمل خوارق العادات المشاهدة مثل الآيات التسع، وتشمل المعجزات الخفية كصرف قوم فرعون عن الإقدام على أذاهما مع ما لديهم من القوة وما هم عليه من العداوة بحيث لولا الصرفة من الله لأهلكوا موسى وأخاه.ومحل العبرة من هذا الجزء من القصة التنبيه إلى أن الرسالة فيض من الله على من اصطفاه من عباده وأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كرسالة موسى جاءته بغتة فنودي محمد في غار جبل حراء كما نودي موسى في جانب جبل الطور، وأنه اعتراه من الخوف مثل ما اعترى موسى، وأن الله ثبته كما ثبت موسى، وأن الله يكفيه أعداءه كما كفى موسى أعداءه. اهـ.
اهـ.
ومنه فَصُحَ الرجل: جادَتْ لغُته. وأَفْصَحَ: تكلَّم بالعربية. وقيل: بالعكس. وقيل: الفصيح الذي يَنْطِقُ. والأعجمُ: الذي لا ينطقُ. وعن هذا اسْتُعير أَفْصَح الصبحُ أي: بدا ضَوْءُه. وأفصح النصرانيُّ: دنا فِصْحُه بكسرِ الفاءِ وهو عيدٌ لهم. وأمَّا في اصطلاحِ أهل البيانِ فهي خُلُوصُ الكلمة من تنافرِ الحروفِ كقوله: ترعى الهِعْخِع. ومن الغرابةِ. كقوله: ومِنْ مخالفةِ القياس اللغوي كقوله: وخُلوصُ الكلام من ضعفِ التأليف كقوله: ومن تنافرِ الكلماتِ كقولهِ: ومن التعقيدِ وهو: إمَّا إخلالُ نظمِ الكلامِ فلا يدرى كيفُ يُتوصَّلُ إلى معناه؟ كقوله: وإمَّا عَدَمُ انتقالِ الذهنِ من المعنى الأول إلى المعنى الثاني، الذي هو لازِمه والمرادُ به، ظاهرًا كقوله: وخُلوصُ المتكلم من النطقِ بجميع ذلك فصارتِ الفصاحةُ يوصف بها ثلاثةُ أشياءَ: الكلمةُ والكلامُ والمتكلمُ بخلاف البلاغةِ فإنه لا يُوْصَفُ بها إلاَّ الأخيران. وهذا له موضوعٌ يُوَضَّحُ فيه، وإنما ذكَرْتُ لك ما ينبِّهُك على أصلِه.وقوله: {لِسانًا} تمييز.قوله: {رِدْءًا} منصوبٌ على الحال. والرِّدْءُ: العَوْنُ وهو فِعْلٌ بمعنى مَفْعول كالدِّفْءِ بمعنى المَدْفوء به. ورَدَأْتُه على عَدُوِّه أَعَنْتُه عليه. ورَدَأْتُ الحائط: دَعَمْتُه بخشَبَة كيلا يَسْقُطَ. وقال النحاس: يقال: رَدَأْته وأَرْدَأْته.وقال سلامة بن جندل: وقال آخر: وقرأ نافع {رِدا} بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلاَّ أنه لم يُنَوِّنْه كأنه أجرى الوصلَ مجرى الوقفِ. ونافعٌ ليس من قاعدتِه النقلُ في كلمةٍ إلاَّ هنا. وقيل: ليس فيه نَقْلٌ وإنما هو مِنْ أردى على كذا. أي: زاد. قال الشاعر: أي: زاد وأنشده الجوهريُّ: قد أربى، وهو بمعناه.قوله: {يُصَدِّقُنِي} قرأ حمزةُ وعاصمٌ بالرفع على الاستئناف أو الصفةِ ل {رِدْءًا} أو الحالِ من هاء أَرْسِلْه، أو من الضميرِ في {رِدْءًا} والباقون بالجزمِ جوابًا للأمرِ. وزيد بن علي واُبَيٌّ {يُصَدِّقوني} أي: فرعونُ ومَلَؤُه. قال ابن خالويه: وهذا شاهدٌ لِمَنْ جَزَم؛ لأنه لو كان رفعًا لقال: {يُصَدِّقونَني} يعني بنونين.وهذا سهوٌ من ابن خالويه؛ لأنه متى اجتمعَتْ نونُ الرفعِ من نون الوقايةِ جازَتْ أوجهٌ، أحدها: الحذفُ، فهذا يجوزُ أن يكونَ مرفوعًا، وحَذْفُ نونِه لما ذكرْتُ لك. وقد تقدم تحقيقُ هذا في الأنعام وغيرِها. وحكاه الشيخُ عن ابنِ خالَويه ولم يُعْقِبْه بنَكير.{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)}.قوله: {عَضُدَكَ} العامَّةُ على فتحِ العينِ وضمِّ الضادِ. والحسن وزيد بن علي بضمِّهما. وعن الحسن بضمةٍ وسكونٍ وعيسى بفتحِهما، وبعضُهم بفتحِ العينِ وكسرِ الضادِ. وفيه لغةٌ سادسةٌ: فتح العينِ وسكونُ الضادِ. ولا أعلمُها قراءةً. وهذا كنايةٌ عن التقوِيَةِ له بأخيه.قوله: {بِآيَاتِنَآ} يجوزُ فيه أوجهٌ: أَنْ يتعلَّقَ ب {نَجْعَلُ} أو ب {يَصِلُوْن} أو بمحذوفٍ أي: اذْهبا، أو على البيان، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أيضًا، أو ب {الغالبون} على أنَّ أل ليست موصولةً، أو موصولةٌ واتُّسِعَ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيرِه، أو قَسَمٌ وجوابُه متقدِّمٌ وهو {فلا يَصِلُون} أو مِنْ لَغْوِ القسمِ. قالهما الزمخشري. ورَدَّ عليه الشيخُ بأنَّ جوابَ القسمِ لا تدخُلُه الفاءُ عند الجمهور. ويريدُ بلَغْوِ القسمِ أنَّ جوابَه محذوفٌ أي: وحَقِّ آياتِنَا لتَغْلُبُنَّ. اهـ.
|